Monday, December 31, 2012

أبشر ... أنت في دولة علمانية !!


استيقظت من نومي فجأة على صوت المنبه يدق وتشير ساعته إلى السابعة والربع صباحا، فأسرعت لأستحم واتوضأ... صليت الصبح والحمد لله، ارتديت ملابسي خلسة وتركت زوجتي واولادي نائمين ونزلت مسرعا إلى سيارتي كانت تشير الساعة إلى حوالي الثامنة.
أدرت المذياع على إذاعة القرآن الكريم متوجها إلى عملي وقبل وصولي توقفت عند بقالة عم صابر من تعودت دائما ان آخذ إفطاري من عنده "عصير –بسكويت -عصائر. الخ" فوجدت بجانبي شخص يهتز يطلب من عم صابر زجاجة بيرة!!
أخذت إفطاري وسرت إلى المكتب لأجد في طريقي لافتة كبيرة مكتوب عليها -نادي تعري وفتيات ليل !!!
أسرعت مذهولا إلى داخل الشركة لا أدري ما الذي يحدث ... ألقيت التحية على زملائي فتحت حقيبتي لأخرج اللاب توب وابدأ يومي،
وجدت الجريدة على مكتبي ففتحتها متصفحا، لفت نظري وجود إعلان كبير كتب عليه مطلوب فتيات مصريات لتمثيل فيلم إباحي في شرم الشيخ !!!!، ألقيت الجريدة على الفور.
تصفحت بعض مواقع الأخبار المصرية لأجد معظم إعلاناتها عن السياحة الجنسية في مصر والملاهي والخمور
فقررت أن أغلق كل شيء وأعمل ... انتهى يوم العمل، فتوجهت إلى بيتي وفي طريق عودتي وجدت بعض إعلانات الأفلام في السينما (قلعني ومتعني، المراهقة والسائق) هالني ما رأيت من صور الإعلانات !!!!!
أسرعت إلى المنزل، أوقفت سيارتي متوجها إلى شقتي لأقابل جاري الأعزب على السلم تتمايل على كتفه فتاة شبه عارية يصعد بها إلى شقته، وجاري الثاني يصرخ يصوت عالي أسمعه مدويا لابنته الجامعية: كيف حملتي؟ أبدأ بالصراخ ما الذي يحدث !!!!!!... فيربت على كتفي جاري الثالث ويقول لي 
أبشر ... أنت في دولة علمانية.
لتوقظني زوجتي وتقول لي لقد تأخرت عن العمل فالساعة الآن العاشرة حمدت الله و بدأت يومي

 أحمد النوبي  

Wednesday, October 31, 2012

قصة "هل ترانا نلتقي" .. بأوراق الحبّ وحبر الدم

هل ترانا نلتقي أم أنها** كانت اللقيا على أرض السرابِ
ثم ولّت وتلاشى ظلها **واستحالت ذكرياتٍ للعذابِ

أبيات أنشدها الشيخ سعد الغامدي قبل عقود..من منا لم يسمعها، من منا لم يطرب لها، من لم يترنم بها!
مثل هذه الأعمال الفنية الخالدة قدرها أن لا تموت وإن طال بها الزمن، فحين يجتمع إحساس الكاتب مع "حنّية" اللحن مع موهبة المؤدّي يخرج لنا " هل ترانا نلتقي"
طالما ردد الشباب والفتيات هذه الأبيات وهم يودّعون مرحلة ً دراسية ً أو منشطًا صيفيًا أو صديقًا مهاجرًا ..افتراضًا أن تلك الأبيات قد كُتبت لذات الغرض! ولكن الحقيقة أن هذه الأبيات تخفي وراءها قصة " حبٍّ ودمٍ " أسطوريّة ً بشخوصها وأحداثها وزمانها!فما هي قصة هذه الأبيات!؟
في يوم ٢٣ يوليو من عام ٥٢م قام عدد من ضباط الجيش المصري "بقيادة جمال عبدالناصر" بالانقلاب على الملكية في مصر والاستيلاء على الحكم وتأسيس نظام ظاهره "جمهوري" وباطنه"عسكري".. وقد أيّد عموم الشعب والأحزاب والجماعات هذا الانقلاب"كما يحدث في الانقلابات عموما وكما حدث في سوريا وليبيا وغيرها" لأن الانقلاب عادة يكون على وضع متردٍّ فيتأمل الناس بالنظام الجديد خيرا ..
ما يهمنا هنا هو أن النظام الجديد سطا سطوةً شديدةً على جماعة الاخوان المسلمين التي أيّدت هذه الثورة "الانقلاب" من ضمن المؤيدين .. بعد أن وُعِدوا بالانفتاح وفتح الطريق امام الدعوة لاسيما وانهم قد عانوا ما عانوه من الملكية التي سُجنوا خلالها وقُتل مرشدهم ومؤسس دعوتهم..
كان من ضمن ضحايا هذا النظام العسكري أحد أبرز العقول الفكرية والأدبية والإسلامية في التاريخ المعاصر "الشهيد سيد قطب" حيث قضى في سجون "عبدالناصر" حوالي ١٥ سنة.. ثم قرر النظام-بمحاكمةٍ عسكريّةٍ تخترق بسرعتها حاجز الصوت- قرر تخليد هذا الرجل عن طريق إعدامه!
كان بيت "آل قطب" الذي ينتمي اليه"سيد" بيتَ علم وأدب وجهاد.. مارس فيه الأبناء والبنات على حدٍّ سواء صنوف العلم والعمل أدبًا وتصنيفًا ونشرًا وسجنًا وأنفسًا.. وكان من أعضاء هذا البيت أخت الشهيد سيد قطب .. الراحلة "أمينة قطب"..
لقد قلب نظام جمال عبدالناصر ظهر المجن لجماعة الاخوان المسلمين.. فشن عليهم حملة شعواء اعتقل فيها الآلاف منهم. كانت"أمينة قطب" تزور أخاها "سيد" في السجن ككل أختٍ مرهفةٍ أُخِذ أخوها من بين أيديها.. فلما كانت تلتقيه يروي لها قصص رفاق الزنزانة من الاخوان..فجذبتها قصة أحد قادة الاخوان "كمال السنانيًري" الذي اعتُقل عام 1954م وحوكم محاكمة صورية حُكِم عليه فيها بالإعدام (!!) ثم خفف الحكم إلى السجن"٢٥ سنة" مع الأعمال الشاقة.. و قد شُرّدت عائلته.. وطُلّقت منه امرأته..!
رقّ قلبُ المجاهدة لذلك المجاهد المظلوم الصابر المحتسب.. فكان أن خطبها فوافقت وهي لاتعلم متى سيبني بها! لقد عقد عليها! هو سجين وهي مطلقة السراح، لاسبيل الى الوصل الا من وراء قضبان الظلم!
ربما تُعتبر من حكايات الـ"فانتازيا".. أن تقبل شابّةٌ الزواج من سجينٍ سيمكث عشرين عاما قبل أن يرافقها! ولكن هذا ماحدث!!
تبادل العريس مع عروسه الرسائل والقصائد والمشاعر؛ وفي احدى الرسائل يكتب الزوج وقد أشفق عليها مما تتكبده من مئات الأميال في سبيل زيارته في سجنٍ جنوب مصر :
"لقد طال الأمد، وأنا مشفِقٌ عليك من هذا العناء، وقد قلت لكِ في بدء ارتباطنا: (قد يُفرَج عني غدًا، وقد أمضي العشرين سنة الباقية أو ينقضي الأجل)، ولا أرضَى أن أكون عقبةً في طريق سعادتك، ولكِ مطلَق الحرية في أن تتخذي ما ترينه صالحًا في أمرِ مستقبلك من الآن، واكتبي لي ما يستقرُّ رأيُك عليه، والله يوفقك لما فيه الخير"
فترد "أمينة" بكُليمات تنبض إخلاصًا وطيب معدن:
"لقد اخترت -يا أملاً أرتقبه- طريق الجهاد والجنة، والثبات والتضحية، والإصرار على ما تعاهدنا عليه بعقيدة راسخة ويقين دون تردد أو ندم"
استمرا على جانبي القضبان ١٧سنة! الى ان اذن الله بلقائهما عام 1976م.. فلا تسل عن اللقيا!
بعد أن خرج الزوج من السجن؛ لم ينس دعوته..ولم يثن همّتَه ربعُ قرن من القيود.. فعاد مسؤولا في جماعة الإخوان..
لم يدم هذا ذلك اللقاء بين الزوج وزوجته اكثر من ست سنوات؛ وفي الرابع من سبتمبر سنة 1981م اختُطف منها مرة أخرى ليعود إلى السجن قبل مقتل السادات بأيام، ويبقى إلى أن يلقى الله شهيداً من شدة و هول ما لاقاه من تعذيب في السادس من نوفمبر من العام نفسه، وسُلِّمت جثته إلى ذويه شريطة أن يوارى التراب دون إقامة عزاء..
كتبت "أمينة" أجمل القصائد وأبدعت أروع الحروف في زوجها وأخيها.. ثم لحقت بهم عام ٢٠٠٧م بعد حياة مليئة بالبلاء والابتلاء!
مما كتبت إلى زوجها، وقد ملّت الحياة بعد رحيله:
" هلاّ دعــوت الله لي كي ألتقي..
بركابكم في جـــنَّة الرضـــــوان
هلاّ دعوتم في سماء خلودكم..
عند المليك القـــــادر الرحمــــن
أن يجعل الهمّ الثقــــيل براءة..
لي في الحساب فقد بقيتُ أعاني "
انتشرت قصيدتها "هل ترانا نلتقي"انتشار النار في الهشيم وسارت بها ركبان الحُداة في وطننا العربي.. باكين ومبكين..تقول الكلمات:
" هل ترانا نلتقـي أم أنهـا
كانت اللقيا على أرض السراب؟!
ثم ولَّت وتلاشـى ظلُّهـا
واستحالت ذكـرياتٍ للعذاب
هكذا يسـأل قلبي كلمــا
طالت الأيام من بعد الغياب
فإذا طيفك يرنـو باسما
وكأني في استماع للجـواب
أولم نمضِ على الدرب معًا
كي يعود الخـير للأرض اليباب
فمضينا في طريق شائـك
نتخلى فيه عن كل الرغـاب
ودفنَّا الشوق في أعماقنا
ومضينا في رضــاء واحتساب
قد تعاهدنا على السير معـًا
ثم عاجلت مُجيبًا للذهـاب
حيـن ناداك ربٌّ منعم
لحيـاة في جنـان ورحـاب
ولقاء في نعيم دائم
بجنود الله مرحى بالصحـــاب
قدَّموا الأرواح والعمر فدا
مستجيبين على غـير ارتياب
فليعُد قلبك من غفلاته
فلقاء الخلد في تلك الرحــاب
أيها الراحل عذرًا في شكاتي
فإلى طيفك أنَّات عتـاب
قد تركت القلب يدمي مثقلاً
تائهًا في الليل في عمق الضباب
وإذ أطوي وحيدًا حائرًا
أقطع الدرب طويلاً في اكتئـاب
فإذ الليل خضـمٌّ موحِشٌ
تتلاقى فيه أمواج العـذاب
لم يعُد يبــق في ليلي سنًا
قد توارت كل أنوار الشهاب
غير أني سوف أمضي مثلما
كنت تلقاني في وجه الصعاب
سوف يمضي الرأس مرفوعًا فلا
يرتضي ضعفًا بقول أو جواب
سوف تحذوني دماء عابقات
قد أنارت كل فجٍ للذهـاب "

لتحميل الأنشودة: http://soundcloud.com/abujana2012-1/a9egoznc4aih



Wednesday, October 17, 2012

رسالة في ليلة التنفيذ

أبتاه ماذا قد يخطُّ بناني
والحبلُ والجلادُ ينتظراني
هذا الكتابُ إليكَ مِنْ زَنْزانَةٍ
مَقْرورَةٍ صَخْرِيَّةِ الجُدْرانِ
لَمْ تَبْقَ إلاَّ ليلةٌ أحْيا بِها
وأُحِسُّ أنَّ ظلامَها أكفاني
سَتَمُرُّ يا أبتاهُ لستُ أشكُّ في
هذا وتَحمِلُ بعدَها جُثماني
الليلُ مِنْ حَولي هُدوءٌ قاتِلٌ
والذكرياتُ تَمورُ في وِجْداني
وَيَهُدُّني أَلمي فأنْشُدُ راحَتي
في بِضْعِ آياتٍ مِنَ القُرآنِ
والنَّفْسُ بينَ جوانِحي شفَّافةٌ
دَبَّ الخُشوعُ بها فَهَزَّ كَياني
قَدْ عِشْتُ أُومِنُ بالإلهِ ولم أَذُقْ
إلاَّ أخيراً لذَّةَ الإيمانِ
شكرا لهم أنا لا أريد طعامهم
فليرفعوه فلست بالجوعان
هذا الطعام المر ما صنعته لي
أمي و لا وضعوه فوق خوان
كلا و لم يشهده يا أبتي معي
أخوان جاءاه يستبقان
مدوا إلي به يدا مصبوغة
بدمي و هذه غاية الإحسان
والصَّمتُ يقطعُهُ رَنينُ سَلاسِلٍ
عَبَثَتْ بِهِنَّ أَصابعُ السَّجَّانِ
ما بَيْنَ آوِنةٍ تَمُرُّ وأختها
يرنو إليَّ بمقلتيْ شيطانِ
مِنْ كُوَّةٍ بِالبابِ يَرْقُبُ صَيْدَهُ
وَيَعُودُ في أَمْنٍ إلى الدَّوَرَانِ
أَنا لا أُحِسُّ بِأيِّ حِقْدٍ نَحْوَهُ
ماذا جَنَى فَتَمَسُّه أَضْغاني
هُوَ طيِّبُ الأخلاقِ مثلُكَ يا أبي
لم يَبْدُ في ظَمَأٍ إلى العُدوانِ
لكنَّهُ إِنْ نامَ عَنِّي لَحظةً
ذاقَ العَيالُ مَرارةَ الحِرْمانِ
فلَرُبَّما وهُوَ المُرَوِّعُ سحنةً
لو كانَ مِثْلي شاعراً لَرَثاني
أوْ عادَ - مَنْ يدري - إلى أولادِهِ
يَوماً تَذكَّرَ صُورتي فَبكاني
وَعلى الجِدارِ الصُّلبِ نافذةٌ بها
معنى الحياةِ غليظةُ القُضْبانِ
قَدْ طالَما شارَفْتُها مُتَأَمِّلاً
في الثَّائرينَ على الأسى اليَقْظانِ
فَأَرَى وُجوماً كالضَّبابِ مُصَوِّراً
ما في قُلوبِ النَّاسِ مِنْ غَلَيانِ
نَفْسُ الشُّعورِ لَدى الجميعِ وَإِنْ هُمُو
كَتموا وكانَ المَوْتُ في إِعْلاني
وَيدورُ هَمْسٌ في الجَوانِحِ ما الَّذي
بِالثَّوْرَةِ الحَمْقاءِ قَدْ أَغْراني؟
أَوَ لَمْ يَكُنْ خَيْراً لِنفسي أَنْ أُرَى
مثلَ الجُموعِ أَسيرُ في إِذْعانِ؟
ما ضَرَّني لَوْ قَدْ سَكَتُّ وَكُلَّما
غَلَبَ الأسى بالَغْتُ في الكِتْمانِ؟
هذا دَمِي سَيَسِيلُ يَجْرِي مُطْفِئاً
ما ثارَ في جَنْبَيَّ مِنْ نِيرانِ
وَفؤاديَ المَوَّارُ في نَبَضاتِهِ
سَيَكُفُّ في غَدِهِ عَنِ الْخَفَقانِ
وَالظُّلْمُ باقٍ لَنْ يُحَطِّمَ قَيْدَهُ
مَوْتي وَلَنْ يُودِي بِهِ قُرْباني
وَيَسيرُ رَكْبُ الْبَغْيِ لَيْسَ يَضِيرُهُ
شاةٌ إِذا اْجْتُثَّتْ مِنَ القِطْعانِ
هذا حَديثُ النَّفْسِ حينَ تَشُفُّ عَنْ
بَشَرِيَّتي وَتَمُورُ بَعْدَ ثَوانِ
وتقُولُ لي إنَّ الحَياةَ لِغايَةٍ
أَسْمَى مِنَ التَّصْفيقِ ِللطُّغْيانِ
أَنْفاسُكَ الحَرَّى وَإِنْ هِيَ أُخمِدَتْ
سَتَظَلُّ تَعْمُرُ أُفْقَهُمْ بِدُخانِ
وقُروحُ جِسْمِكَ وَهُوَ تَحْتَ سِياطِهِمْ
قَسَماتُ صُبْحٍ يَتَّقِيهِ الْجاني
دَمْعُ السَّجينِ هُناكَ في أَغْلالِهِ
وَدَمُ الشَّهيدِ هُنَا سَيَلْتَقِيانِ
حَتَّى إِذا ما أُفْعِمَتْ بِهِما الرُّبا
لم يَبْقَ غَيْرُ تَمَرُّدِ الفَيَضانِ
ومَنِ الْعَواصِفِ مَا يَكُونُ هُبُوبُهَا
بَعْدَ الْهُدوءِ وَرَاحَةِ الرُّبَّانِ
إِنَّ اْحْتِدامَ النَّارِ في جَوْفِ الثَّرَى
أَمْرٌ يُثيرُ حَفِيظَةَ الْبُرْكانِ
وتتابُعُ القَطَراتِ يَنْزِلُ بَعْدَهُ
سَيْلٌ يَليهِ تَدَفُّقُ الطُّوفانِ
فَيَمُوجُ يقتلِعُ الطُّغاةَ مُزَمْجِراً
أقْوى مِنَ الْجَبَرُوتِ وَالسُّلْطانِ
أَنا لَستُ أَدْري هَلْ سَتُذْكَرُ قِصَّتي
أَمْ سَوْفَ يَعْرُوها دُجَى النِّسْيانِ؟
أمْ أنَّني سَأَكونُ في تارِيخِنا
مُتآمِراً أَمْ هَادِمَ الأَوْثانِ؟
كُلُّ الَّذي أَدْرِيهِ أَنَّ تَجَرُّعي
كَأْسَ الْمَذَلَّةِ لَيْسَ في إِمْكاني
لَوْ لَمْ أَكُنْ في ثَوْرَتي مُتَطَلِّباً
غَيْرَ الضِّياءِ لأُمَّتي لَكَفاني
أَهْوَى الْحَياةَ كَريمَةً لا قَيْدَ لا
إِرْهابَ لا اْسْتِخْفافَ بِالإنْسانِ
فَإذا سَقَطْتُ سَقَطْتُ أَحْمِلُ عِزَّتي
يَغْلي دَمُ الأَحْرارِ في شِرياني
أَبَتاهُ إِنْ طَلَعَ الصَّباحُ عَلَى الدُّنى
وَأَضاءَ نُورُ الشَّمْسِ كُلَّ مَكانِ
وَاسْتَقْبَلُ الْعُصْفُورُ بَيْنَ غُصُونِهِ
يَوْماً جَديداً مُشْرِقَ الأَلْوانِ
وَسَمِعْتَ أَنْغامَ التَّفاؤلِ ثَرَّةً
تَجْري عَلَى فَمِ بائِعِ الأَلبانِ
وَأتى يَدُقُّ- كما تَعَوَّدَ- بابَنا
سَيَدُقُّ بابَ السِّجْنِ جَلاَّدانِ
وَأَكُونُ بَعْدَ هُنَيْهَةٍ مُتَأَرْجِحَاً
في الْحَبْلِ مَشْدُوداً إِلى العِيدانِ
لِيَكُنْ عَزاؤكَ أَنَّ هَذا الْحَبْلَ ما
صَنَعَتْهُ في هِذي الرُّبوعِ يَدانِ
نَسَجُوهُ في بَلَدٍ يَشُعُّ حَضَارَةً
وَتُضاءُ مِنْهُ مَشاعِلُ الْعِرفانِ
أَوْ هَكذا زَعَمُوا! وَجِيءَ بِهِ إلى
بَلَدي الْجَريحِ عَلَى يَدِ الأَعْوانِ
أَنا لا أُرِيدُكَ أَنْ تَعيشَ مُحَطَّماً
في زَحْمَةِ الآلامِ وَالأَشْجانِ
إِنَّ ابْنَكَ المَصْفُودَ في أَغْلالِهِ
قَدْ سِيقَ نَحْوَ الْمَوْتِ غَيْرَ مُدانِ
فَاذْكُرْ حِكاياتٍ بِأَيَّامِ الصِّبا
قَدْ قُلْتَها لي عَنْ هَوى الأوْطانِ
وَإذا سَمْعْتَ نَحِيبَ أُمِّيَ في الدُّجى
تَبْكي شَباباً ضاعَ في الرَّيْعانِ
وتُكَتِّمُ الحَسراتِ في أَعْماقِها
أَلَمَاً تُوارِيهِ عَنِ الجِيرانِ
فَاطْلُبْ إِليها الصَّفْحَ عَنِّي إِنَّني
لا أَبْتَغي مِنَها سِوى الغُفْرانِ
مازَالَ في سَمْعي رَنينُ حَديثِها
وَمقالِها في رَحْمَةٍ وَحنانِ
أَبُنَيَّ: إنِّي قد غَدَوْتُ عليلةً
لم يبقَ لي جَلَدٌ عَلى الأَحْزانِ
فَأَذِقْ فُؤادِيَ فَرْحَةً بِالْبَحْثِ عَنْ
بِنْتِ الحَلالِ وَدَعْكَ مِنْ عِصْياني
كانَتْ لها أُمْنِيَةً رَيَّانَةً
يا حُسْنَ آمالٍ لَها وَأَماني
وَالآنَ لا أَدْري بِأَيِّ جَوانِحٍ
سَتَبيتُ بَعْدي أَمْ بِأَيِّ جِنانِ
هذا الذي سَطَرْتُهُ لكَ يا أبي
بَعْضُ الذي يَجْري بِفِكْرٍ عانِ
لكنْ إذا انْتَصَرَ الضِّياءُ وَمُزِّقَتْ
بَيَدِ الْجُموعِ شَريعةُ القُرْصانِ
فَلَسَوْفَ يَذْكُرُني وَيُكْبِرُ هِمَّتي
مَنْ كانَ في بَلَدي حَليفَ هَوانِ
وَإلى لِقاءٍ تَحْتَ ظِلِّ عَدالَةٍ
قُدْسِيَّةِ الأَحْكامِ والمِيزانِ